فالشـرع جعله الرباط المقدس الذى يربط بين الرجل والمرأة، وبه تستمر الحياة.
والقانون جعله مؤسسة بين طرفين لكل منهما حقوق وواجبات.
قد يكون فى تحكيم العقل حتى يكون هو بداية ونهاية هذا المشروع؟، أيضاً هناك الكثير ممن أخذوه بهذه الصورة العقلانية المجردة وفشلوا، قد يكون فى الحب؟ الحياة تصدمنا بالعديد والعديد ممن أحبوا حتى النخاع وذهب ذلك كله فى مهب الريح بعد فترة قصيرة من الزواج، إذن سر النجاح ليس فى كل من ذلك على حده، إنه ربما يكون فى الجمع بين كل هذه الأشياء، وهذا قد يبدو مستحيلاً، فمن منا يجمع فى زواجه بين العقل المحض والعاطفة الخالصة فى نطاق الأعراف السائدة؟!!
ووجدتنى أمام كل هذا عاجزة أتأمل الزواج فى صوره العديدة المترائية لى المركبة منها والبسيطة ، الناجحة منها والفاشلة، باحثة عن السر، إلى أن أشرق بداخلى نور وكأنه السحر الذى لا نراه رغم تردده على ألسننا فى معظم الزيجات وهى قول الله سبحانه وتعـــالى: — وخلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة– وهنا توهمت أننى وجدت الحقيقة التى لا يشوبها شك إلا أننى سرعان ما توقفت أمام معناها لأتساءل عنه.
فهى الحق الذى لا يشوبه باطل والصدق الذى لا يخالطه كذب، وأنا أعتقد فى ذلك ولكن الشك عندى فى مدى إدراكنا لمعناها، هل منا من يعى معنى السكن والمودة والرحمة بحق؟.
إنها دستور كامل لحياة زوجية أبدية لو استطعنا فهمه وتطبيقه لكان ذلك الزواج جنة الله على أرضه، ففيها الإنسان بكل ما يحتويه من عاطفة وعقل حيث أنه سبحانه وضع بها الحكمة وسبل استمرارها، فالحكمة من الزواج اتضحت فى قــوله – جـــل وعـــــــــلا- — لتسكنوا إليها– ، وهل هناك حب مهما علت درجته يصل لمرتبة أعلى من السكن؟!!
فالسكن أمن وأمان وراحة وانتماء وتسليم للنفس برضا وهدوء دون أدنى شعور بذلك التسليم، بل هو الملجأ فى الراحة والتعب، وفى سبيل الحفاظ عليه يضحى الإنسان بنفسه حتى أننا نرى موت أفراد وجماعات دفاعاً عن سكنهم، ولا نعجب فهذا أمر طبيعى، فالسكن والإنسان وجهان لعملة واحدة إذا فقدت واحداً منهما لا يمكن التعامل بالآخر.
ورغم أننى وجدت الحكمة من الزواج فى هذه الكلمة التى أعطتنى التعريف الجامع المانع له، إلا أن رحمة الله بنا لم تتوقف عند هذا الحد، بل أعطتنا الوسيلة للحفاظ على ذلك المعنى وكان ذلك فى قوله تعالى: —وجعل بينكم مودة ورحمة– ، وهنا ودون اللجوء للمعاجم اللغوية لتفسير معنى المودة الدقيق، أحسست أنها ما نسميه الحب، ولنتأمل موقعها من الآية، إنها لم تأت إلا بعد السكن ، والسبب أحسسته جلياً أمامى؛ فالسكن لابد وأن يولد حباً فإذا كان الأول كان الثانى، ولا شك فالسكن بمعناه الحقيقى أعمق وأصدق من كل المشاعر التى قد نسميها عشقاً، غراماً، هياماً، ولهاً ..... وغيره، ولكن سرعان ما ذهبت فى فيض من الحزن بعد السرور والشك بعد اليقين، فإذا كان السكن يولد حباً ولا شك، ما الذى يحدث إذا لم يشعر الإنسان بالسكن؟ وهل يمكن أن تكون هناك مودة بدون سكن؟ وإن كان يصعب ذلك فما الذى يمكن أن يحدث؟.
وفجأة أيضاَ أشرق بداخلى وميض إلهى يستصرخنى، وأين الرحمة التى أشار إليها الله - جل شأنه – فى قوله: — مودة ورحمة –؟ هل هذه أيضاً مقرونة بالسكن والمودة؟؟، فإذا بى أشعر وكأنها قانون بمفرده فلو لجأنا إليها فى أحلك اللحظات لأضاءتها، وحسبنا أنه لولاها لما هدى الله عباده.
نظيمة عبد الرحمن أحمد